لماذا نُقدّس الموروث؟

 الموروث يحتل مكانةً خاصة في الوجدان، سواء كان اجتماعيًا، ثقافيًا، سياسيًا، أو حتى فكريًا وأيديولوجيًا. لا ندافع عنه فقط لأننا نحبه، بل لأن التخلي عنه يبدو وكأنه تخلي عن أنفسنا. وكأننا حين ننتقده، ننتقد جزءًا من هويتنا، من وجودنا، من “نحن”.


فالموروث أصبح بطاقة هوية. ومن لا يملك هوية، لا يُرى. لا يُحترم. بل يُنظر إليه باستحقار. “أنت لا تنتمي”، “أنت غريب”، “أنت بلا جذور”. وكأن القبول الاجتماعي مشروط بالانتماء لموروث لا خيار لنا فيه.


لكن… هل سألنا أنفسنا: ما معنى هذه الهوية؟

هل هي حقًا اختيار؟ أم قيد ورثناه دون تفكير؟

هذا العَلَم، هذه الأرض، هذه القصص التراثية، هذه الكلمات والملابس والتقاليد… أليست مجرد رموز بشرية؟ أليست قابلة للمراجعة، للتغيير، أو حتى للرفض؟


لماذا لا يُسمح للانسان أن يعيش بيننا دون أن يقدّس ما يقدّسه المجتمع من موروث؟

لماذا تُفرض عليه قوانين بشرية كي يُرضي من حوله ويُقبل في مجتمع لا يراه يمثل روحه؟

لماذا يُطلب منه أن يُجل موروثًا يراه في داخله باهتًا، منتهي الصلاحية؟

لماذا لا يُمنح حق اختيار ما يلائمه من كل ثقافة وكل حضارة، ليصنع طريقته الخاصة في العيش، وفق ما يُشبهه هو؟


الموروث وُضع في عصور سبقتنا، من بشر يشبهون زمانهم… لا زماننا.

ورغم ذلك، ما زلنا نعيش في أطرهم الزمنية، ونحاول إرضاء أموات لا يعرفون من نحن.


لماذا لا نعيش بقواعدنا نحن؟

بأفكارنا الفردية التي قد تختلف، ولكن لا تعادي.

لماذا لا نُقبل كما نحن، حتى وإن لم نتطابق مع الصورة النمطية للموروث؟


أليست هذه هي الحرية الحقيقية؟

أليست هذه هي الإنسانية؟


لكن الحقيقة؟

أننا نكبت ذواتنا. ندفن اختياراتنا. ونُقحم أنفسنا في حياة لا تُشبهنا، ولا تناسبنا… فقط لننال القبول من مجتمع لا يُبالي إن كنا على قيد الحياة أم لا.


إذًا، ما الحل؟


ربما ليس المطلوب أن نحارب الموروث… بل أن نعيد تشكيله.

نأخذ منه ما يخدمنا، ونترك ما يقيدنا.

نبني هوية نختارها، لا نرثها. هوية تشبه وعينا، لا خوفنا من الرفض.


أريد أن أكون أنا. بلا أقنعة. بلا شعارات. بلا محاكمات.

أليس هذا أبسط حقوق الإنسان؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العين لا ترى مالا يدركه العقل

عقلك مُقَيَّد! أتعلم ذلك؟