تقديس التاريخ وقصصه

معرفة التاريخ وقراءته شيء جيد، ولكن تذكر أن أصحاب السُّلطة والنفوذ يقومون بتزوير الحقائق التي نراها أمامنا عين اليقين في عصرنا، ويذكرون ما تراه أعيننا.


فما بالك بما كُتب في التاريخ الذي لم تره لا أنت ولا أجدادك.


فلا تقم بالتمسك والدفاع عن كتابات كتبها بشر مثلك، وتدافع عنها فقط لأنك وُلدت في محيط يُعزز ما سمعته أذنك وكأنها حقيقة مُطلقة.


التاريخ يُزوَّر ويتم تغييره بما يخدم من هم في قمة الهرم. وتذكر أنك في قاع هذا الهرم، فلا تلعب دور الفطن الفاهم.. فالزم الصمت حين لا تملك دليل غير ورقات متناثر عليها حبر بشري لا تعرف أصله، ولا كيف مر عبر العصور إلى الآن ووصل إليك.


دعني أُعيد ما قلته بوضوح أكثر، معرفة التاريخ وقراءته أمر هام بلا شك، فهو بوابتنا لفهم ما كان وما يمكن أن يكون. لكن عليك أن تدرك أن التاريخ ليس مجرد حكايات تُسرد أو حقائق مُطلقة، بل هو انعكاس من كَتبوه ومن امتلكوا القوة لصياغته. أصحاب السلطة دائماً ما كانوا يجيدون فن التلاعب بالحقيقة، يلونونها بما يخدم مصالحهم ويبنون بها أساطير تُعزز مكانتهم، بينما تظل أعيننا ترى واقعاً مختلفاً يُجبرنا أحياناً على إنكاره!


فإذا كان هذا يحدث اليوم أمامنا، حيث تُبدل الحقائق رغم وضوحها، وتُنفى الوقائع رغم شواهدها، فكيف يمكننا الوثوق بما كُتب منذ قرون؟ ما دمت لم تعش تلك اللحظات، ولم يرها أجدادك بأعينهم، فما تحمله الكتب ليس سوى انعكاس لرغبات وأهداف من كتبوها، وليس دائماً للحقيقة المحضة.


كن واعياً بأن دفاعك المستميت عن روايات تاريخية لمجرد أنك نشأت في بيئة تُعزز هذه الأفكار، قد يكون دفاعاً عن أوهام لا عن حقائق. لا تجعل من نفسك بيدقًا على رقعة شطرنج يتحكم بها من هم في قمة الهرم، بينما أنت في قاعه، متشبثاً بقصص قد تكون زُيّنت أو شُوهت لتناسب أجندات لا تعلم عنها شيئاً.


لذلك، تريّث حين تستند إلى صفحات لا تعرف كيف كُتبت، ولا تتقمص دور العارف الفطن وأنت لا تملك سوى كلمات من حبر مجهول المصدر. فأحياناً، يكون الصمت حكمة عندما لا يحمل التاريخ سوى ما هو مشكوك فيه. فالتاريخ بحر متلاطم الأمواج، قد يكون بعضه صادقًا، ولكن الكثير منه غيبته التيارات الجارفة لمن يملكون أدوات الكتابة والتأريخ.


فنصيحتي لك في النهاية إياك أن تنجر في نقاشات عقيمة تستند على التاريخ. نعم أنا أعلم أن التاريخ دائماً يُكرر نفسه ونحن نتعلم من ما حدث في الماضي، ولكن لا تجعل من نفسك أضحوكة بشرية بدفاعك المُطلق ودخولك في نقاشات هامشية لأنك قرأت قصة تاريخية أو سمعت أمراً حدث من مئات السنين وتقوم بالتمسك به وكأنك عشت تلك الحقبة، وتريد إثبات ما سمعته أو قرأته فقط لأن هناك “بشر” قاموا بسرده وإيصاله لك اليوم.


ابحث، فكّر، وتحرر من قيود الأفكار المعلبة، فالوعي الحقيقي يبدأ عندما تدرك أن الحقيقة ليست دائماً فيما بين دفتي الكتاب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا نُقدّس الموروث؟

العين لا ترى مالا يدركه العقل

عقلك مُقَيَّد! أتعلم ذلك؟